نقلاً عن

الأشعة السينية تكشف عملاً فنياً متخفٍّ تحت لوحةٍ لبيكاسو..

المصدر هاف بوست عربي

عثر باحثون على لوحة خفية داخل لوحة “الفقيرة المنحنية” للفنان الإسباني بابلو بيكاسو، باستخدام تقنياتِ تصويرٍ غير غازية لفحص العمل الفني.

وألقت الدراسة الضوءَ كذلك على الملامح التي كانت خفيةً في المحاولات المبكرة لبيكاسو لتصوير شخصيته البائسة، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.

وقال مارك والتون من جامعة نورث ويسترن، وهو مَن قدَّم هذا العمل في اجتماع الجمعية الأميركية لتقدُّم العلوم في ولاية تكساس الأميركية: “سمحت لنا التكنولوجيا هنا بالدخول إلى عقل الفنان، ولذا فإنه بإمكاننا فهم العملية الإبداعية لبيكاسو، وكيف بدأ حقاً في إنتاج هذه القطعة الفنية”.

ورسم بيكاسو لوحة La Misereuse Accroupie أو “الفقيرة المنحنية” عام 1902، خلال الحقبة المبكرة له والمعروفة باسم “الفترة الزرقاء”، وعُرِضَت اللوحة حديثاً بمعرض الفن بمدينة أونتاريو الكندية.
misereuse accroupie
لوحة “الفقيرة المنحنية” والتي تحمل في داخلها لوحة أخرى

واكتُشف أول أسرار هذه اللوحة أثناء ترميمها عام 1992، حين لاحظ خبراء ثاقبو النظر أن ملمس سطح لوحة بيكاسو يبدو، في بعض أجزاء اللوحة، غير متسقٍ مع اتجاه حركة الفرشاة عليها.

وأضافت ساندرا ويبستر كوك، وهي خبيرةٌ كبيرةٌ في الرسوم بمعرض الفن بأونتاريو: “هناك لونٌ لا علاقة له باللوحة يظهر أيضاً من خلال خطوطها، الأمر الذي يطرح دائماً إما تغيُّراً في تكوين اللوحة، وإما أن قطعة قماش الكَنَفَا كانت مستخدمةً من قبل”.

واكتشف الفريق البحثي مشهد اللوحة المخفاة عندما أُخِذت صورة الأشعة السينية، التي تُعرف باسم أشعة إكس راديوغراف، للوحة بيكاسو كجزءٍ من مصادر بحثٍ يُجرَى، ويرجح أن اللوحة الخفية التي رسم عليها بيكاسو لوحته هي عبارة عن رسم لمكان ببرشلونة من أعمال الفنان الإسباني خواكين توريس غارسيا.
ولمزيدٍ من التعرُّف على الأمر، التحق فريق المعرض بباحثين من جامعة نورث ويسترن، ونظر الباحثون عبر اللوحة، باستخدام تقنيةٍ تُعرَف باسم الأشعة السينية الفلورية، لملاحظة توزيع العناصر الكيميائية التي وُجِدَت في ألوانٍ مختلفة.

وقال والتون: “يمنحنا ذلك بعضاً من القدرة على استشعار كيفية إنشاء هذه الطبقة المركبة، لأن بعض الألوان توجد في إحدى الطبقتين ولا توجد في الأخرى”. وقد أُخِذَت عيناتٌ متناهية الصِّغر من اللوحةِ لتحليلها كذلك، للتعرف أكثر على طبقاتها.

وكشفت المعلومات التي ظهرت باستخدام أشعة إكس راديوغراف، التي تتفق مع ما ظهر باستخدام الأشعة السينية الفلورية، أن بيكاسو هو مَن أدخل الأشكال التي تظهر على اللوحة.

وقال والتون: “استخدم بيكاسو اللوحة ليستلهم منها رسمة المرأة. وتظهر التلال المرسومة في اللوحة الخلفية في انحناء ظهر المرأة في اللوحة الأمامية”.

لكنَّ رسام اللوحة الخلفية يظل مجهولاً، وتقول افتراضاتٌ مبدئيةٌ إنها من أعمال الفنان الإسباني خواكين توريس غارسيا، بينما يرفض القائمون على أمر اللوحة هذا الافتراض، ويرون أنها تُصوِّر مكاناً حقيقياً في برشلونة هو حديقة متاهة هورتا.

وقال كينيث برومل، المسؤول المساعد عن الفن الحديث بمعرض الفن بأونتاريو: “إننا نعلم أن سانتياغو روسينول، قائد حركة التحديث الكتالونية، قد رسم هذا الموقع، ونعرف كذلك أن رسامين كتالونيين شبان قد رسموه أيضاً”.

كشفت الأشعة السينية الفلورية أيضاً مفاجأةً أخرى، فبينما يتسق توزيع عنصري الحديد والكروم في الأصباغ اللونية بشكلٍ جيدٍ مع صورة المرأة كما نراها اليوم، يَنُم انتشار الأصباغ القائمة على عنصريّ الكروم والرصاص عن تفاصيل أكثر حول الملامح المتداخلة على سطح اللوحة.

وأظهر توزيع هذه الأصباغ اللونية اختلافاتٍ بسيطة في ميل رأس المرأة، وكشف أن لها في الأصل ذراعاً يمنى ويداً، وربما تحمل هذه اليد قطعةً من الخبز.
ويطرح الفريق أن هذا العمل قد يكون متصلاً بعملٍ آخر لبيكاسو رسمه بألوانٍ مائية يُصوِّر فيه مرأةً تجلس القرفصاء ويداها في وضعٍ مشابه وتحمل قطعةً دائريةً من الخبز، وقد بيعت هذه اللوحة مؤخراً في مزادٍ علني. ولكن ذلك يطرح التساؤلات حول السبب وراء اختفاء قطعة الخبز في يد المرأة في الرسمة الأخيرة؟ يقول والتون مُفترِضاً: “هل يكون الأمر دينياً ولكن بيكاسو قرَّرَ بعد ذلك الرسم فوقه لعدم رغبته في وجود دلالةٍ كهذه في هذه اللوحة؟”.

وأضاف والتون أن الهدف النهائي هو التعرُّف على ألوان اللوحة الأصلية، وقال: “إنها حقاً الكأس المقدسة، لأننا كشفنا بعد ذلك هذه اللوحة المفقودة، حيث أصبحت جزءاً من العالم مرةً أخرى”.

ولا يعد هذا الاكتشاف الأخير هو الأول من نوع لعملٍ فني مُتخَفٍ في لوحةٍ لبيكاسو؛ فلَدَى المسؤولين اكتشافٌ سابقٌ لصورةٍ لرجلٍ يرتدي ربطةَ عنقٍ في لوحةٍ تُعرف باسم “الغرفة الزرقاء”، إذ وُجِدَت لوحة الرجل ذي الشارب الذي يرتدي ربطة العنق مخفيةً تحت لوحة المرأة التي تكوي الملابس. وفي الحالتين يُعتَقَد أن بيكاسو هو من رَسَمَ اللوحتين المخفيتين.

وقال والتون: “إن الشيء المثير للاهتمام في “الفترة الزرقاء” أن بيكاسو أعاد استخدام مواد ربما بسبب عدم توفر الكثير من المال في تلك الفترة المبكرة من حياته”.

ورحَّبَت الدكتورة نيكولا أشمور، من جامعة برايتون البريطانية، بهذا الاكتشاف، وهي التي كانت تُجري أبحاثاً في لوحة غرنيكا لبيكاسو.

وقالت: “يُقدِّم هذا الاكتشاف الجديد بعض الحقائق المذهلة بشأن اعتبار لوحات بيكاسو قد رُسِمَت على أقمشةِ كَنَفا مستخدمةٍ، إذ يُعَد مُلهماً بشأن طبيعة وتركيب العمل الفني الذي يقع أسفل لوحة La Misereuse. إن استخدام التقنيات الحديثة في تاريخ الفن يسهم في تشكيل علم الآثار لكل عملٍ فنيٍ تُطبَّق عليه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى