رأي

الحرب الإقتصادية…

بقلم منجد شريف

لا شك بأن سيناريو الحرب الإقتصادية المفروضة على لبنان،تدرجت فصولاً.فقد شكل حراك السابع عشر من تشرين علاقة مموهة بين مطالب الناس المحقة،و الأهداف المغرضة للمشاريع الخارجية.
إنطلقت المؤامرة عندما تم إخراج النظام المصرفي من الدورة الإقتصادية،و تحديداً المقاصة،ليصبح الدولار سياسياً،و مرهون بالعرض و الطلب و بحسب المزاج الشعبي و المواقف السياسية،فضلاً عن التطبيقات المتحكم بها من جهات معينة تعمل في سياق ممنهج حتى يبلغ الدولار أعلى مستوياته،و ذلك في سبيل إثارة ثورة جياع حقيقية تنقلب على مواقفها القومية،إلى المطالبة بأبسط حقوق المواطنية،في وطنٍ تجمعت عليه كل قوى الشر في العالم لثني البعض منه عن مقارعة الجارة العدوة عند الحدود الجنوبية.

تبدأ قصة لبنان بحدوده المعروفة،بعدما وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها،فكان النسيج الإجتماعي في المتصرفية مكون من الطوائف الرئيسية،و في مؤتمر الصلح في باريس خير اللبنانيون بين حدوده الحالية او ضم وادي النصارى،فكانت الرغبة المارونية بعدم ضم وادي النصارى لمنع تكوين أكثرية أورثوذوكسية.،فكان لبنان بأقضيته و تنوعه الطائفي الحالي.

لم يكن معروفاً أن الحرب العالمية الأولى كانت مقدمة،لتجزئة مناطق نفوذ السلطنة العثمانية،فبعيد اندلاع الحرب بسنة ارسلت توصية من قبل اول وزير صهيوني يهودي بريطاني يدعى هربرت صموئيل
الى مجلس العموم البريطاني جاءفيها:

ليس من المناسب الأن إنشاء الوطن القومي،بل تقسيم المنطقة الواقعة تحت نفوذ السلطنة العثمانية ليصار لاحقاً الى تأمين نواة الدولة و مكوناتها السكانية و اللوجيستية.كانت سايكس بيكو عام ١٩١٦ الترجمة الفعلية لتلك التوصية.

جاءت الحرب العالمية الثانية بمثابة تتويج للوطن القومي بعدما توافرت كل عناصره و أعلنت دولة إسرائيل في ١٥ أيار ١٩٤٨،و كانت من أوائل الاعضاء في هيئة الأمم ابمتحدة.
شاء القدر ان تكون شمال الحدود الإستعمارية لتلك الدولة المزعومة محاذية للبنان،و مع تطور الثورات المناوئة لذلك الكيان الغاصب،تدحرجت المواجهات مع الفلسطنيين و تنوعت إلى أن حطت رحالها عند الحدود الجنوبية للبنان.
تأثر سكان لبنان في المناطق المحاذية لدولة الإحتلال و صاروا عرضة لكل انواع القصف الإسرائيلي الإنتقامي،هذا ما أدى إلى تكون الوعي القومي و المفهوم الجهادي ضد المحتل و عربداته ،و كان ذلك على يد السيد موسى الصدر،فحملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم،بعدما أمعنت آلة القتل الإسرائيلية بكل السكان دون تمييز،فكانت أفواج المقاومة اللبنانية أمل و الى جانبها العديد من الأحزاب ،و من رحم أمل ولد حزب الله،و مع تطور الصراع العربي الإسرائيلي ،و تَوقيع مصر اتفاقية السلام،أصبحت الحرب الكلاسيكية مع إسرائيل إستحالة،فتحولت المواجهة مع إسرائيل إلى المقاومين،الذين تلقوا دعماً من الدول الرافضة للغطرسة الأميركية و الإسرائيلية،و مدتهم تلك الدول بكل الإمكانات العسكرية واللوجيستية و التدريبات و السلاح،الى أن كسرت هيبة اسرائيل تحت وطأة ضربات المقاومة،و سقطت مقولة الجيش الذي لايقهر،بينما المطلوب أن تكون إسرائيل هي الاقوى و في المقابل، الدول العربية ضعيفة و متحكم بها و بتسلحها و بكل قدراتها،هذا وفقاً لمقررات مؤتمر كامبل بنرمان،بحيث تكون إسرائيل وكيل الإستعمار بعد خروجه.

تلك المعادلة التي أرستها المعارك المتتالية مع العدو،في توازن الردع الإستراتيجي،جعلت إسرائيل بكل قدراتها العسكرية،امام خيار حرب من نوع آخر ، لأن الحرب العسكرية صارت محفوفة بمخاطر الإنهزام و فقدان الهيبة،فكانت الحرب الإقتصادية على سوريا و لبنان ،كما على كل بلد حر في هذا العالم.

انها الحرب الإقتصادية،تقودها منصات الدولار المشبوهة ،فترفعه و تخفضه في لعبةً قذرة لضرب العملة الوطنية بعدما ساهم فساد السلطة منذ ثلاثون عاماً على تشريع الباب امام هكذا مؤامرة،يضاف اليها مفاعيل بدعة الثورة في ١٧ تشرين الاول،و التي كان هدفها تعطيل مقاصة المصارف لحصر الدولار في السوق الموازي و التحكم به بمنصات مشبوهة لتضييق الخناق شيئاً فشيئاً على كل اللبنانيين عسى من خلال ذلك ان تحقق في الحرب الإقتصادية ما عجزت عنه في الحروب العسكرية.

تلك الحرب المستترة دفعت الغالبية من المواطنين إلى إدخار كل ما لديها من الدولارات،،و عدم تحويلها الى العملة الوطنية الا عند الضرورة ، لأن التلاعب المشبوه لتلك المنصات جعلت الجميع في حالة تيه بين البيع الشراء،و عليه صار تحليق الدولار غير مرتبط بقاعدة العرض و الطلب الحقيقية، بل عرضاً و طلباً اضطرارياً بسبب التفلت في الإستقرار النقدي،و ما زالت تلك المنصات ترفع في سعر الدولار لتعكس غلاءً فاحشاً قد يكون نواةً لخلق ثورة جياع حقيقية تطيح بكل منجزات الاعوام المنصرمة على صعيد المواجهات العسكرية.

و هنا السؤال هل ستستطيع تلك المؤامرة أن تأخذ بالاقتصاد ما عجزت عنه بالعسكر؟!!!
سؤال مرتهن بكيفية المواجهة لتلك الحرب على صعيد المستهدفين بها بصورة مباشرة،و ما يمكن أن يوفروه من مقومات الصمود و قدرات الإحتمال عند اللبنانيين الشرفاء في هذا الوطن،الذين بلغوا حداً في الإستنزاف المالي تبخرت معه كل آمالهم و إحلامهم المستقبلية،و ربما إذا ما ظلت الامور على هذه الشاكلة تتبخر العزة و الكرامة لديهم،فلكل شيء حدود،و صذق الامام علي عليه السلام في وصيته لإبنه محمد ابن الحنفية:
يا بني أخاف عليك الفقر لأن الفقر منقصة للدين مدهشة للعقل داعيةُ للمقت،و المقت تعني هنا الكره و البغضاء.
إذن الكل يعلم أننا بمواجهة حرباً إقتصادية،بل هي غزواً،و إذا لم تستدركها الجهات المستهدفة بالكثير من التدابير الضرورية و الطارئة،فسوف تحقق تلك الحرب أهدافها و معها يتلاشى كل ما تحقق من إنتصارات و منجزات،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى