أخبار فنّية

مرعي عبدالله ، تاريخ في الصحافة النظيفة

بقلم جهاد أيوب

“الوان” مرعي عبدالله تشبه صاحبها وتترك بصمة من ذهب الصحافة

بقلم //جهاد أيوب
بعد مشواره الطويل كأنه بدأ بالأمس، وبصفة شخصية من تلميذ تدرج صغيراً بين صفحات مجلة مغايرة عن السائد، واشكالية في حب النجوم من طرف واحد وعلى طريقة صانعها، وحول تعب استاذ تحبه أو لا تحبه، تتفق معه أو لا تتفق، إلا انه كان مختلفاً عن كل أبناء جيله في مهنة المتاعب…وأنا أحببت أن أقدم تحية محبة واقتدار، فيها ورود من دار قلما نقول في محرابها لمن سبقنا، وعلمنا، وتعلمنا من تجربته شكراً…
حينما غامر بإصدار أول مجلة فنية تعنى فقط بأخبار نجوم لبنان في الشهر الأول من العام 1979 تحمس له العديد خاصة النجوم، وانتقده بعضهم لآن الاصدار في عز الحرب اللبنانية هو الجنون، ورغم وجود عشرات المجلات الفنية العريقة في لبنان فماذا ستقول “ألوان”، وماذا يستطيع أن يقول، يعمل، يقدم، ويفعل صاحبها ورئيس تحريرها أستاذنا مرعي عبدالله؟!
أخبرني الكبير ملحم بركات أنه وبعض الزملاء تحمسوا بجنون لمجلة ” الوان”، وأخذوا يسوقونها ويبيعونها بأنفسهم، واعتبروها الصوت اللبناني الخالص:” يا زلمي كانت صوتنا، وبتشبهنا”!
بسرعة البرق أخذت المجلة مساحة مهمة في لبنان، ووزعت في الوطن العربي كمجلة مختلفة عن السائد، وحققت النجاح لكثرة ما تضمنته من أخبار، وملاحظات نقدية، وأبواب منوعة، لا بل استقطبت أكثر من فنان كي يكتب في زواياها، والأهم قدمت لنا الحروف الجريئة للكاتب وصاحبها مرعي عبدالله!
كان قاسياً…
كان حاسماً…
كان ناقماً…
كان لطيفاً، وخائفاً على سمعة الفنان، وعلى الفن اللبناني، لذلك لم يجامل، ولم يقع في بئر المجاملة…
وكان حالماً بصحافة مغايرة لا تشبه ما هو موجود…
وكان مرعي عبدالله هو كما يفكر ويشتهي ويعتقد!
مرعي عبدالله أحببته بقساوته أو لا، لكنك تحترمه، فهو في ذاك الوقت يكاد أن يكون من الصحافيين القلائل الذين لا يقبلون هدية من فنان، يعتبر ذلك رشوة، وهو يكتب قناعاته من أجل صوابية ما يؤمن به فنياً، هو خط طريقه كما يتصوره، لذلك وجد الكثير من المشاكل مع غيره من بعيد، وحينما يتعرفون عليه شخصياً يجدونه شخصية متسامحة، هامسة، وواضحة، وكثير الأسئلة من أجل توضيح الصورة!
الزميل مرعي عبدالله هو الحاسم في قراراته حينما يكتب في زاويته ” نقاط على الحروف”، أو في زوايا منوعة بالمجلة، منها:” كلمة، قالت لنا العصفورة

، حدث، نقد، برقيات ملونة، رأي، يوميات ناقد متجول، وأخبار الغد…”!
هو ناقم على تصرفات بعض الفنانين في وقت الوطن ينزف، كان يحلم بأن الفن شجرة مثمرة، وإذ به وجد الاستخفاف، والتجارة بالفن، وتقديم ما هو دون المستوى…
هو من حمل السلم الفني كما يشتهي ويفكر ويعتقد، وإذ به يقترب من العاملين بالفن، ليكتشف بعض المتطفلين، ومنتحلي صفة الفنان!
من هنا أخذ بحبر النقمة على الشوائب، وفتح نوافذ كتاباته دون خجل من سطور يؤمن بحروفها دون الاهتمام لزعل هذا أو ذاك!
بعضهم اعتبره من اشواك الورود، لا بل شوكه أكثر من ورودها مما قلل من صداقاته الفنية في حينه، ومع ذلك زاد من احترامه في غيبته!
مرعي عبدالله هو الأستاذ اللطيف الذي تعلمنا منه الكثير ونحن لا نعرف ألف باء الصحافة في حينه، تابعناه بشغف، انزعجنا من كتاباته ضد هذا وذاك، ولكننا استمرينا بمتابعته دون كلل، وراقبنا كل إصدارات ” الوان” لمعرفة سبيل الطرح الفني خارج الشخصنة، والولدنات، وتسطيح الاخبار والمعلومة!
هكذا نوع من الصحافة لا يطول حضورها وعمرها، إلا أن مرعي مع الوانه استمر رغم الظروف الصعبة، ورغم العداوات والصداقات، وجحود الفنانين المسعورة والمشهورة، استمر لآنه أمن بما هو عليه، وزرع شجرة رواها من رواياته وتعبه وحلمه!
قد لا يعجب بعضهم ما ذكرت فالغيرة تقزم الحضور، وقد ينتقد كلامي من زامله لسبب فيه الكثير من سوء الفهم، وعدم الانسجام بطريقة تفكيره، ولكن لا أحد يتجاوزه، أو يحق له أن يلغي ما قدمه، هو في تلك المرحلة كان منافساً، واجرأ من غيره، ولم يلمع الخطأ على حساب ما يراه صائباً، ولم ينجرف إلى صحافة الفضيحة، ولم ينزلق إلى المقالة الصفراء…
هو غرز فينا حرية الرأي، لنفهم نحن كما نريد لا كما غيرنا يريد، ربما كان ينقص قساوته بعض حروف الملح والسكر، إلا أن ذاك الوقت يختلف عن هذا الوقت…ذاك كان بعد التأسيس، والخوف من السقوط، والاستاذ مرعي خاف من السقوط، وبالفعل سقط الفن كما نجده اليوم، وكما تصوره هو في حينه!
اليوم…الفن اختلف عن مرحلة التعب الذهبي، وهذا انعكس على الصحافة الفنية كلياً وكلياً، ومن يتجاهل الحقيقة لا يعرف الصحافة وزمانها، والاستاذ مرعي كان يخاف من الوصول إلى هذا السقوط…!!!
وما اجمل ما كتبه الاستاذ مرعي عبدالله حينها عن هذا التسول الحاصل في إعلام مرتزق يحتله الكذب والدجل اليوم، ومرعي ليس من أصحاب الدجل والكذب في الإعلام، قد يجامل قليلاً من أجل عدم إحراج المتعب من الفنانين، ولكنه لم يتنازل عن رأي أراد قوله عبر حروفه!
حينما كنا نقرأ ما كتبه الأستاذ مرعي عبدالله يأخذنا إلى المسؤولية في الكتابة، وفي فهم الفن ودوره…
ومجلة ” الوان” تطرق باب الذاكرة لتطبع بصمة من ذهب … واليوم تناطح عبر السوشال ميديا بهدوء من أجل البقاء باحترام…
مرعي عبدالله منذ بداياته لا يحب الأضواء، ولا حتى الشهرة، وكان مكتفياً بالحبر، والورق والقلم وصبر مهنة المتاعب، لا يقبل اللقاءات والاطلالات التلفزيونية، ولو وضعت اسمه عبر “السوشال ميديا” لا تجد صورته، ومن النادر جداً أن تجدها، بل تجد ” الوان”، وحتى ما أكتبه الآن قد يزعجه، لكونه لا يحب أكثر من كلمة “شكراً”…
” الوان” تشبه مرعي عبدالله، والاستاذ مرعي عبدالله يشبه “الوان”…تركا بصمة من ذهب الصحافة… الاستاذ مرعي عبدالله شكراً …
(مجلة الإنتشار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى