متى صار الرقيب حبيباً …

كتب جمال فياض
كل عام يغرق الجمهور في شهر رمضان في بحر من المسلسلات والبرامج التلفزيونية،وتتزاحم الشاشات والمنصات على تقديم الأعمال الدرامية والكوميدية وبرامج الترفيه،وبتكاليف خيالية. تصل ميزانية الدراما والإنتاج التلفزيوني الى مئات ملايين الدولارات. لكن إذا بحثنا في التفاصيل التي نعرف أن الشيطان يكمن فيها دائماً، سنجد أن أغلب الأعمال التي كلفت كل هذه الملايين مصروفة باتجاه واحد،وهو الترفيه والتسالي، ولا فائدة إجتماعية أو توعوية أو ثقافية منها .
في زمن قريب كانت الأعمال الدرامية تحرّك فينا المشاعر وتمنحنا جرعة من الحنان مثل مسلسلات الترابط العائلي أو الإجتماعي،أو جرعة من معرفة التاريخ والحسّ الوطني،أو جرعة من الكوميديا والتوعية الإجتماعية. منذ سنوات، تضاعفت الأعمال،وارتفعت التكاليف،واتسعت مساحة الإنتشار بواسطة المنصات والتطبيقات التي تتيح للجميع المشاهدة وتحرّر الجمهور من الإلتزام بمواعيد عرض ثابتة. لكن المضمون صار ضعيفاً وغالباً بلا هدف…
عالم الأطفال صار خارج الحسابات،وبات مهملاً ،وصرنا نجد الطفل يتابع مسلسلات العصابات والشارع العنيف،وحوارات الردح والخناقات الأسرية ومعارك الشوارع. وصار مشهد الشباب الذي يتعارك ويرتكب الجرائم ويتعاطى المخدرات أمراً عادياً ولا يؤثر كثيراً في الجهات الرقابية،التي لم يعد لها وجود ولا ضرورة أصلاً …
تغيّرت الدراما،وتغيّرت التوجهات،وتغيّر الجمهور ،وتغيّر التسويق… زمان كان المنتج يصوّر الأعمال ويحملها الى المحطات لتسويقها وعرضها، اليوم تضع المحطات والمنصات المواصفات التي تريدها،بل تضع لائحة بأسماء الأبطال والممثلين،ومكان التصوير، وترسل مندوبين يراقبوا ويشرفوا على التصوير ودقة الإلتزام بالمتفق عليه…
صارت الدراما موجّهة بدقّة،بمحتواها وأفكارها وشكلها ونجومها وخطوط توجّهها ومواضيعها،ولا مانع من تعديل القصص التاريخية بما يتناسب مع سياسة الجهة المموّلة، تماماً كما في زمن الأنظمة التي كنا نسميها الأنظمة الديكتاتورية والأجهزة الرقابية… لكن هذه المرّة يحظى الرقيب المموّل برضى وخضوع جميع الأطراف. وإذا حضر المال، بطل التذمّر ، وصار الرقيب حبيباً …