“مستعدٌّ أنا للرحيل!”

د. سليم دادة – مؤلف موسيقي وقائد أوركسترا- الجزائر
عرفتُ ذلك اليوم…
حين لم أجد فكرةً جديدة ولا تجربةً مميزة لأحتفل بها بدخولي عامي الخمسين على هذه الأرض.
لقد جرّبتُ إذن كل شيء، تذوّقتُ كل نكهة، خضتُ كل مغامرة… لذا فأنا جاهز للرحيل، وبلا ندم.
خمسون عامًا من الحياة
التائهة، الحالِمة، المبدعة، العاشقة،
خاب أملي فيها مرات، وشعرتُ بالإحباط فيها كرّات،
لكنها كثيرًا ما ابهرتني، فتنتني، الهمتني، حفزتني وكرّمتني.
…
في خمسين عامًا، عشتُ ما يعيشه البعض في حيواتٍ متعدّدة:
من الطبيب إلى الموسيقِي،
من الرسام إلى عالِم الموسيقى،
من لاعب كرة الطائرة إلى متعدد الرياضات،
من الفنان البوهيمي إلى مدير المشاريع،
من المؤلف الموسيقي إلى مصمم عروض كبرى،
من قائد الأوركسترا إلى الوزير،
من المدرّب إلى الخبير الدولي،
من المستقل إلى رائد الأعمال،
…
قبّعاتٌ كثيرة ومساراتٌ متشابكة،
عشرات البلدان زرتها وعشت في بعض منها،
ومئات المدن عزفت فيها موسيقاي،
و”أنا” كثيرة…
اجتمعت كلها في جسدٍ واحد، عقلٍ واحد، وروح واحدة.
…
حاضري، لم يعد يبتغي إثبات شيء.
ماضيّ، لا ندم فيه ولا رغبة في التكرار.
الوحيدون الذين يربطونني بالحياة،
هم من أحبّ، ومن لا يزالون في حاجة إليّ… وعلى رأسهم عائلتي وأطفالي.
…
في سن الخمسين، لا أسعى لغزو العالم،
بل لأساعد الآخرين ولأثريهم، لأنثر بعضا من الفن والثقافة كي تنير قلوب وعقول الناس.
إنه سنّ التكريس:
لما سنتركه، لما سنُخلّفه،
لما سيبقى بعد غيابنا: أعمالُنا، أثرُنا، وبذورُنا المزروعة.
يبدو أنني قد بلغتُ آخر درجةٍ في هرم ماسلو.
…
عيد ميلادي الخمسين،
لن يكون عرضًا ناريًا باهتًا، ولا تورتة وبعض شمع، ولا “سنة حلوة” مغناة بنشاز،
بل هو الطبعة الذهبية لحياةٍ ملونة،
طبعة تبشّر بعمرٍ جديد… أكثر صفاءً، أعمق عطاءً، وأشدُّ قربًا من الإنسان، ومن الأرض.
…
أُهديني ولكم إذن بهذه المناسبة: سكونا ومحبة وسلاما.
وإليكم أنتم، أصدقائي،
رفقاء الدروب الطويلة والقصيرة،
أقول:
إلى لقاء قريب…
في حياةٍ جديدة، ومرحلةٍ أجمل.