رأي

إذا لم يكن ما تريد ، فأرِد ما يكون !

بقلم منجد شرَيف

بقلم منجد شريف

كلف الرئيس نجيب ميقاتي،بعد إعتذار الرئيس سعد الحريري،و الذي دام تكليفه زهاء التسعة أشهر،جال فيها على أكثر من بلد عربي و غربي،و لم يوفق في تزع الفيتو السعودي عنه.

أتى ذلك التكليف وسط ذهولٍ كبير،عند الغالبية من الشعب اللبناني،بعدما وجهت إلى الرئيس المكلف سابقاً إتهامات كثيرة بإستغلال موقع رئاسة الحكومة،و تحقيق بعض المصالح له و لأقاربه،غير أن في لبنان يكفي أن يغطى المرء خارجياً،ليأخذ صك الغفران،و يتحول من متهم إلى منقذ،حتى لو كان ذلك في أحلك الظروف التي يمر بها الوطن،و على أعين من من يعتبرونه جزءً من منظومة فساد أدت إلى ما أدت إليه في المالية العامة،و في الإنهيار الكبير الذي تشهده البلاد.

يجعلنا وعينا السياسي في بلد مثل لبنان ،أن نتقبل الجلاد ضحية و العكس بالعكس،فهو لبنان بلد الغرائب و العجائب،بلد تتقاسمه الطوائف في كل شيء،حتى في مفهومه كوطن أو دولة،فلكل طائفة حساباتها الخاصة و هواجسها و مخاوفها المختلفة عن حسابات باقي الطوائف،هذا ما يجعل من الطائفية و المذهبية حصناً حصيناً يتلطى به كل من سولت له نفسه يوماً أن يرتكب الفظائع بحق الوطن و الإنسان،غير عابيء بمشاعر المتأذين من ممارساته التي كانت سبباً في القضاء على آمالهم و أحلامهم المستقبلية في العيش بهناء في وطنهم وسط عوائلهم و محبينهم.

مرة أخرى تجعلنا التسويات الكبيرة،أو ربما التضليل لكسب الوقت و تمرير المرحلة،أن نتجرع المر علقماً،و أن نرى كتلاً سياسية تصوت مرغمة تحت وطأة الإنهيار الإقتصادي،و إبتزاز الخارج لشخصية كانت حتى الأمس القريب مثار جدل في ضلوعها بملفات فساد،أدت ما أدت اليه كمثيلاتها من الملفات في سقوط الهيكل على رؤوس الجميع،لكن عند سقوط الهيكل لا يكون البناء على ذات الأساسات،بل يتم البناء من جديد كي لا يسقط الهيكل مرة أخرى.

إنها اللعنة الطائفية التي شكلت و ما زالت حاجزاً مانعاً و كبيراً في وحدة ما سمي باللبنانيين تبعاً للكيان الجغرافي في الخارطة المشؤومة لسايكس بيكو،فكانت تلك الطائفية المرض العضال الذي عانى منها الوطن و دفع ثمنها ثمانية عشرة عاماً حرباً أهلية،و ها هو يدفع اليوم ثمناً آخر في إنهيار إقتصاده و في كل بنيان الدولة.

فأي تكليف ذلك و على أي أسس،و الكل يعلم أن مشكلتنا لم تكن في الخلاف على الحقائب و التسميات بين الرئيسين ميشال عون و سعد الحريري،و لا على شكل الحكومة،بل الخلاف في مكان آخر و على أمور أخرى،ففي بلدٍ لا يتمتع بالحد الأدنى من الإرادة الشعبية في النهوض من ركام الإنهيار،سيعول حتماً على مال سياسي يدر عليه من جيوب الأشقاء العرب بعد السماح لهم بذلك،لتكون مقايضته في السياسة و سلب الإرادة اللبنانية في أي من الإستحقاقات و ليس آخرها الفيتو الذي جعل الرئيس الحريري يعتذر،ليعود و يصوت و ربما مرغماً للرئيس نجيب ميقاتي.

انه المال السياسي الذي تعودت عليه الغالبية من الفرقاء،و جعلنا نهمل كل ما له صلة في منعتنا الإقتصادية،و تنشيط كل أسباب التقدم و الإدهار في الزراعة و الصناعة و في كل ما له صلة برفد الاقتصاد،و الإنفتاح على بلدانٍ أخرى في علاقة ندية تتيح للبلد و المواطن فرصاً لا عد و لا حصر لها،غير أن ما حل بنا جعلنا متقاعسين،متواكلين،إعتاد الجميع على الاقتصاد الريعي،مما سهل سلبهم مجتمعين في أكبر عملية إحتيال في التاريخ المغاصر،و تركنا لمصائرنا،يبحث كل فرد منا عن وجهة جديدة له و لعائلته،بعدما إنتفت من أمامه كل إمكانيات و مسببات البقاء في وطنه الأم لبنان.جعلنا المال السياسي رهينة كل البلدان الأخرى،و صارت التدخلات في شؤوننا سافرة و علانية دون أدنى تحفظ،حتى قدر ذات يوم لرئيس حكومتنا أن يحتجز و كأنه من رعايا دولة أخرى، في سابقة لم يسجل مثلها التاريخ على الإطلاق.

لقد سلبنا المال السياسي كل مقدرة على الإستقلالية،يضاف إليها حدودنا مع عدو غاشم يتربص بنا كل شر ،و يدخلنا في الكثير من التجارب عله يأمن من زنود تصدت له في سابقة لم يعتدها في تاريخ وجوده.

مجدداً دخلنا في التكليف و التأليف و في حسابات تبدأ من ذات المكان و على ذات الخلاف،فهل إنتفاء الفيتو عن الرئيس المكلف سيفضي الى تسهيل في التكليف،أم أننا سنمر في مرحلة تمرير آخر للوقت،أم حكومة انتقالية لريثما ترتسم معالم التسويات الخارجية لتنعكس علينا مناً و سلوى؟!!!

كلها تساؤلات تجعلنا في حال ريبة و شك لجهة الحل للإنهيار الكبير الذي نواجهه،و الذي راكمت اسبابه سنوات من الشواذات في ممارسة السلطات لأدوارها التشريعية و التنفيذية و الرقابية،فكانت الكارثة بعدما تحولت الدولة بكل مؤسساتها إلى مغارة علي بابا،و تناوب على سرقتها كل من تداول السلطة بإستثناء القلة من الذين بعلمون ان الأوطان لا تبنى الا بالعفاف و الإيثار.

فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل،و أخيراً نردد ما قاله الإمام علي (ع):
إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون
على أمل أن يترجم ما ورد عن الرئيس المكلف لجهة الضمانات الداخلية و الخارجية،و أن تشكل الحكومة في أسرع ما يمكن درءاً لما هو أعظم و رأفة بالغالبية من الشعب المسكين الذي ينوء تحت عجز كبير في كل مناحي حياته،و تبقى العبرة في التنفيذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى