أخبار فنّيةكتب جمال فياض

ليلة رأس السنة 2021 الفرسان الثلاثة جنّنوا الجمهور

في لقاء الأجيال الثلاثة ، جنّنوا الجمهور …

بضربة مغامرة من النوع الثقيل جداً، قرّر المنتج علي الأتات أن يتحدّى الظروف، لينظّم ليلة رأس السنة حفلاً غنائياً ضخماً، يجمع فيه ثلاثة أصوات من ثلاثة أجيال متتالية، منتظراً حضور جمهور من كل أرجاء الوطن العربي. هو ضرب من الجنون، هكذا قلنا له، هل جننت؟ “الكورونا” تهدّد العالم، الحكومة فرضت الحجر الصحي الإحترازي. أموال الناس محجوزة في المصارف، والسيولة تكاد تكون محسوبة جداً، ومحدودة جداً في الجيوب. سعر صرف الدولار أمام الليرة، يجعل التكلفة، هائلة على أي لبناني يريد الحضور، هذا إذا تجرّأ الناس على السهر. مجنون هذا العلي، يتحدّى ويغامر دائماً. لكنه فعلها. وحجز أكبر صالة، في أفخم فندق، ونشر إعلاناته بكل ثقة: ليلة رأس السنة، حفل الموسم، عاصي الحلاني، ملحم زين ونادر الأتات. ثلاثة من أجمل الأصوات في لبنان. ثلاثة أجيال متتالية. عاصي من جيل نجوم التسعينيات ، وملحم زين من جيل العقد الماضي، ونادر الأتات من جيل شباب اليوم. في حفل واحد، ثلاثة أصوات، بشخصيات مختلفة، كل شخصية غنائية تتحدّى قبيلة من المطربين، من حيث القدرات الصوتية، والحضور المسرحي.

إنتظرنا النتيجة، وتوقعنا أنه إما سيلغي الحفل في الأسبوع الأخير من العام، وقبل الموعد بأيام، وإما سيتحوّل الى صالة أصغر. وتنتهي الحكاية، بمئة ساهر وساهرة، بينهم عشرات المدعوين. المفاجأة الأولى، كانت نفاذ البطاقات قبل موعد الحفل بعشرة أيام بالتمام والكمال. المفاجأة الثانية، أن أغلب الحجوزات كانت من السائحين العرب، لقد إستقطبت بيروت آلاف الزائرين العرب، رغم كل الصعوبة التي فرضتها جائحة العصر “الكوفيد 19”. وليلة رأس السنة، حضر أكثر من ألف شخص، مع الكمامات، ومع كل الإحتياطات التي فرضتها وزارتا الصحة والداخلية، لكي تمنح ترخيصاً يسمح بمثل هذا الحفل الضخم.

وكأن فيروساً لم يكن، حضر الجميع وجلس وبدأت السهرة، وعادة تبدأ مثل هذه السهرات، بمطرب شاب يفتتح البرنامج الغنائي، لتسخين الأجواء قبل نجمي الحفل، أي عاصي وملحم. دخل نادر الأتات، وبدل أن يكون مجرّد وصلة غنائية، فرض حضوره بأغانيه الخاصة، ومواويله الصعبة، والتي تتطلّب موهبة وقدرة صوتية خاصة، فغنّى وإحتل مسرحه بكل جدارة. نادر الأتات، المطرب الشاب والموهوب، بدا هنا كله خبرة، فملأ الأجواء بهجة وفرحاً، وفرض نفسه بصوته وحضوره، فما استطاع أحد من الساهرين أن يحيد عنه النظر ولو للحظة. غنّى وتحرّك بكل خبرته التي اكتسبها من حفلات أحياها على مدى سنوات منذ بدايته حتى صعوده الى درجات الإحتراف. وكان مختلفاً، وحيوياً، واثقاً خفيف الدم، حتى حسبناه نجم السهرة وحده، دون غيره. يمكن القول أن في نادر الأتات كل مواصفات النجومية، فقط تنقصه بعض الأغاني المناسبة، ليستكمل بها مشواره الى نجومية أعلى بعد نجاحات أغانيه السابقة. فالنجومية، تكملها بعد مواصفات الصوت والحضور، سلسلة من الأغاني الناجحة.

يطلّ النجم ملحم زين، النجم الذي فاز بحصته الكبيرة من النجاح منذ شارك ببرنامج “سوبر ستار”، وأكملها بمجموعة من الأغاني كانت تضاعف نجاحه بصوته وحضوره المحبب. والتحدّي الذي ميّز ملحم زين في هذه السهرة، أنه مع أغانيه ومواويله الصاخبة، غنّى أجمل أغانيه الرومانسية، في جوّ لا يمكن أن يقبل الجمهور فيه إلا الأغاني ذات الإيقاع، وخصوصاً الإيقاع السريع والصاخب. ومع ذلك كان جمهور ملحم بمنتهى الإنسجام وهو يغنّي أغاني الحنين والحبّ والعاطفة.

ثم قدّم علي الأتات صاحب الحفل، نجم الختام عاصي الحلاني، وفجأة تتحوّل الصالة من جديد الى حالة مختلفة، سيكون صعباً على من شاهد وحضر وصفها. يطلّ عاصي، كما منذ عقود، بكل حيويته وشبابه، بصوته بحضوره المحبب، بسيطرة كاملة على المسرح وعلى المشاعر. يشعلها ليلة ولا كل الليالي. يصدح عاصي بمواله، فلا مثيل لقوة الصوت، ولا مثيل لقدراته على التحكّم بمقاماته الطربية والرومانسية والعاطفية، فيغني كما الحصان العربي الأصيل، لا يهدأ ولا يتعب، ولا يترك في صالة الألف شخص وأكثر، زاوية تنصت إلا وأشعلها حيوية وطرباً ونشوة. لا يحتاج عاصي لأي لفت نظر ليعرف ماذا يغني وكيف يغنّي… هو هكذا، يدخل على مسرحه، فيسيطر على الناس وكل ما في الصالة، فيحرّك فيها الحياة والجماد. فيسحر ويسيطر ويظلّ مسيطراً من اللحظة الأولى، حتى آخر نغمة.

سهرة، أعادت الحياة الى بيروت وليلها. صحيح أنها تأتي بظروف صعبة وحذرة، لكنها كانت ضرورة، لتثبت كما قال علي الأتات وهو يرحب بالحاضرين، أن لبنان لا يموت، وأنه موجود في الحياة لتكون هذه الحياة، حياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى