“هذا الرجل النائم بقربي” للكاتبة مريم الدرّ تمثّل تجربة سردية متقدمة في الأدب النسوي..
قصص قصيرة لا تسقط في فخ الانفعال الذاتي أو التكرار المألوف

المجموعة القصصية “هذا الرجل النائم بقربي”عن “دار الفارابي ” للكاتبة مريم الدرّ تمثّل تجربة سردية متقدمة في الأدب النسوي، لكنها لا تسقط في فخ الانفعال الذاتي أو التكرار المألوف. الكاتبة تمضي بثقة وهدوء في تفكيك تعقيدات المرأة المعاصرة، بعيداً من الخطاب الصدامي أو الشعارات المستهلكة، مقدّمة نصوصاً تنبض بالحياة وتتماوج بين الواقعي والرمزي.
منذ الصفحات الأولى، يلمس القارئ قدرة مريم على رسم شخصيات مستقلة لا تنطق بلسان الكاتبة، بل تتكلم بصدق عن مآزقها، أخطائها، أحلامها وخيباتها. كل امرأة من النساء التسع تحمل حكاية متفردة، كأن الكاتبة قد التقطت ملامحهن من زوايا الحياة الخفيّة، وصاغتها بلغة مكثّفة تجمع بين الرقة والحسم. هنا، لا نجد امرأة مثالية ولا رجلاً شيطاناً، بل بشر يتنازعهم التناقض والضعف، ويندفعون وراء خياراتهم بعناد أو استسلام.
مريم الدرّ تكتب عن القضايا الكبرى للمرأة، من العنف الأسري والغيرة النسوية إلى صراعات داخلية تتعلق بالهوية والتوق للحرية، لكنها تفعل ذلك من خلال مشاهد حميمة، تنبع من تفاصيل يومية تكاد تمرّ على القارئ كأنه عاشها. في بعض القصص، تتسلل المفارقة والعبث، وفي أخرى تتخذ السردية طابعاً أكثر قتامة، لكن المشترك بين القصص جميعاً هو البناء المتقن واللغة التي تحترم عقل المتلقي.
ما يميز هذه المجموعة، أيضاً، أنها تتجاوز موضوع المرأة بمعناه الضيق، لتمس أسئلة فكرية وثقافية أوسع: عن التهميش، والانتماء، والصراع مع القوالب النمطية. الحكايات ليست صرخة بوجه الظلم فحسب، بل محاولة لفهمه من الداخل، وغالباً ما تتداخل فيها الرؤية النقدية مع لمسة وجدانية واضحة.
العنوان الجريء للمجموعة لا يُستثمر لاستفزاز القارئ بل للدلالة على جرأة من نوع آخر: الجرأة في مواجهة الذات، في خوض معاركها بصوتٍ لا يصرخ لكنه لا يصمت أيضاً. وبين الخاتمات المباغتة وتلك المفتوحة على احتمالات، تترك مريم الدرّ أثراً يدوم، وتؤكّد أنها لا تكتب لتعبّر عن ذاتها فقط، بل لتمنح شخصياتها فرصة البوح، والحياة.