منوعات

اليورانيوم: من الاكتشاف إلى الحروب والطاقة

اليورانيوم هو عنصر كيميائي يحمل الرمز U والعدد الذري 92، ويُعتبر من أثقل العناصر الموجودة في الطبيعة وأكثرها إثارة للجدل في العصر الحديث، نظرًا لتطبيقاته الواسعة بين الاستخدامات المدنية السلمية والتطبيقات العسكرية المدمّرة.

الاكتشاف والتسمية

تمّ اكتشاف اليورانيوم عام 1789 على يد الكيميائي الألماني مارتن هاينريش كلابروث، الذي أطلق عليه اسم “يورانيوم” نسبة إلى كوكب أورانوس الذي كان قد اكتُشف حديثًا حينها. لكنّ العنصر بقي دون تطبيق عملي لسنوات طويلة، حتى جاء الفيزيائي الفرنسي هنري بيكريل عام 1896 ليكتشف ظاهرة النشاط الإشعاعي عند دراسته لأملاح اليورانيوم. لاحقًا، ساهمت العالمة ماري كوري في تعميق فهم هذه الظاهرة، ما مهّد لاستخدامات اليورانيوم في ميادين متعددة.

أماكن وجوده في الطبيعة

اليورانيوم لا يوجد في صورة نقية في الطبيعة، بل يُستخرج من الصخور والرواسب، وتحديدًا من خامات مثل اليورانينايت (أكسيد اليورانيوم). تتوزع احتياطاته في عدد من الدول، أبرزها كازاخستان وكندا وأستراليا وناميبيا والنيجر وروسيا. ويمتلك الشرق الأوسط كميات متواضعة منه، خصوصًا في الأردن ومصر.

الخصائص الفيزيائية والكيميائية

اليورانيوم معدن ثقيل جدًا، كثافته تعادل نحو 19.1 غرام/سم³، ما يجعله أثقل من الرصاص تقريبًا بمرتين. وهو ذو لون فضي مائل إلى الرمادي، ويتفاعل بسهولة مع الأوكسجين ليكوّن أكاسيد. من خصائصه الفريدة أن نظائره تمتلك القدرة على الانشطار النووي، وتحديدًا النظير “يورانيوم-235”، الذي يُعد مفتاح الاستخدامات النووية.

استخداماته

اليورانيوم له استخدامات مدنية وعسكرية:
• في الطاقة النووية: يُستخدم اليورانيوم-235 كوقود في المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، بعد أن يُخصَّب للوصول إلى نسب معيّنة من النشاط الإشعاعي.
• في الأسلحة النووية: يُخصّب اليورانيوم بنسبة تفوق 90٪ من U-235 لصناعة القنابل النووية. وكانت قنبلة “الولد الصغير” التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية مصنوعة من اليورانيوم المخصّب.
• في الطب: تُستخدم النظائر المشعة الناتجة عن اليورانيوم في بعض التطبيقات الطبية، خصوصًا في علاج السرطان والتصوير الإشعاعي.
• في الصناعات العسكرية: يُستخدم “اليورانيوم المنضب” – أي المتبقي بعد تخصيب U-235 – لصناعة الذخائر الخارقة للدروع بسبب كثافته العالية، مما يجعله خطيرًا على المدنيين والبيئة.

الفوائد والميزات
• قدرة هائلة على إنتاج الطاقة: غرام واحد من اليورانيوم يمكن أن يُنتج طاقة تعادل حرق أطنان من الفحم.
• يُوفر مصدرًا “نظيفًا” للطاقة من حيث انبعاثات الكربون مقارنة بالوقود الأحفوري.
• يُستخدم كمادة أساسية في البحوث العلمية والتكنولوجية المتقدمة.

الأضرار والمخاطر

رغم فوائده، يشكّل اليورانيوم خطرًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا:
• الإشعاع: التعرض المزمن له يمكن أن يسبّب السرطان، خصوصًا سرطان الرئة والعظام.
• التلوث: مخلفات المفاعلات والذخائر تحتوي على مواد مشعة تبقى فعالة لآلاف السنين، وتؤدي إلى تلوّث التربة والمياه.
• الاستخدامات العسكرية: اليورانيوم المنضب استخدم في حربَي الخليج والبلقان، وتسبّب في إصابات سرطانية وتشوهات خلقية في مناطق النزاع.

السعر والتجارة

سعر اليورانيوم يتأثر بعوامل العرض والطلب العالمية، ويُقاس عادة بسعر الرطل (حوالي 450 غرامًا). في السنوات الأخيرة، تراوح السعر بين 30 إلى 80 دولارًا للرطل، بحسب الأسواق العالمية والمخاوف من أزمات الطاقة أو التسلّح النووي.

مستقبل اليورانيوم

مع التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة، يعود اليورانيوم إلى الواجهة كمصدر أساسي للطاقة النووية البديلة. وتعمل بعض الدول، كالصين والهند، على تطوير مفاعلات جديدة تستند إلى تكنولوجيا أكثر أمانًا، بينما تتخوّف دول أخرى من انتشاره في برامج تسلّح سرية قد تؤدي إلى كوارث مستقبلية.

خاتمة

اليورانيوم ليس مجرّد معدن ثقيل، بل عنصر محوري في مسيرة البشرية العلمية والسياسية. بين الفوائد الكبيرة والمخاطر القاتلة، تبقى كيفية التعامل معه بيد المجتمعات والدول، وهو ما سيحدّد إن كان اليورانيوم سيكون أداة سلام وازدهار، أو بذرة دمار مستقبلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى