أخبار ثقافية

الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة: “القصيدة ليست وسيلة للبكاء، بل طريقة لفهم الحُلم المكسور”

مجلة الصدى اللبنانية – حوار خاص

حوار: آسيا داغر

في عالم الشعر الذي يزداد ازدحامًا كل يوم، تطلّ علينا أسماء عزايزة كصوتٍ فريد، يحفر عميقًا في الذاكرة الفلسطينية، ويستعيد الإنسان من بين الركام. هي ليست مجرد شاعرة، بل صوتٌ متمرّد على القوالب، وذاكرة متّقدة تستعيد عبر القصيدة ما ضاع بين المنافي والأسلاك. في حيفا، حيث تعيش وتكتب، تنسج عزايزة قصائدها كأنها تعيد ترميم المعنى وسط ضجيج فقدان المعنى.

في هذا الحوار الطويل الذي أجرته معها مجلة “الصدى”، تكشف لنا عزايزة عن علاقتها بالشعر، بالوطن، وبالكتابة كفعل مقاومة. من الطفولة في قرية دبّورية إلى تأسيس مشروع “فناء الشعر”، ومن جائزة القطان إلى إصدارها الأخير “عام المتاحف الصغيرة”، كان لنا هذا اللقاء الحميمي والعميق.

آسيا داغر (الصدى): أسماء، أهلاً بكِ في “الصدى”. دعيني أبدأ من البدايات. ما الذي شكّلكِ كشاعرة؟ من أين تبدأ حكايتكِ مع اللغة؟

أسماء عزايزة: أعتقد أن كل شيء بدأ في دبّورية، قريتي في الجليل الأسفل. هناك، كانت اللغة مساحة للخلاص، ومحاولة لفهم هذا العالم المعقّد. تربيتُ في بيت يهتم بالمعرفة، وكانت اللغة العربية بالنسبة لي شيئًا حميمًا وأكبر من مجرد أداة. ربما كنت أبحث فيها عن مأوى. لاحقًا، عندما درست الصحافة والأدب الإنجليزي في جامعة حيفا، بدأت تتبلور علاقتي بالشعر بشكل أكثر وعيًا، ككتابة حرة وغير مشروطة.

الصدى: هل كان الشعر خيارًا أم قدرًا؟

أسماء: أظنّه مزيجًا من الاثنين. لم أخطط لأن أصبح “شاعرة”. كنت أكتب لأفهم، لأتذكّر، ولأخفف وطأة الأسئلة. ثم وجدت أن الشعر هو المساحة الوحيدة التي لا تطلب منّي أن أكون أي شيء سوى نفسي. هو الحرية بعينها.

الصدى: عملتِ في الإعلام والصحافة والثقافة، كيف تتقاطع هذه التجارب مع تجربتكِ الشعرية؟

أسماء: العمل في الإعلام، خصوصًا في التحرير والتقارير، منحني دقة اللغة والانتباه إلى التفاصيل. أما الصحافة الثقافية فقد وسّعت أفق قراءتي، عرّفتني على أصوات وتجارب متنوّعة. أعتقد أن كل هذه التجارب ساهمت في صقل أدواتي كشاعرة. لكن الشعر بقي دائمًا المساحة التي لا ألتزم فيها إلا بالصدق.

الصدى: لننتقل إلى “ليوا”، مجموعتكِ الأولى التي فازت بجائزة القطان. كيف تتذكرين تلك اللحظة؟

أسماء: “ليوا” كانت الكتاب الأول، والبوابة التي عبرتُ من خلالها إلى فضاء أوسع. الفوز بجائزة القطان منحني ثقة لم تكن موجودة من قبل. لكنها أيضًا حمّلتني مسؤولية. أن أُقرأ، يعني أن أُفهم أو يُساء فهمي. والكتابة بعدها لم تعد فعلًا خاصًا فقط، بل مسؤولية تجاه القارئ وتجاه اللغة.

الصدى: ثم أصدرتِ “كما ولدتني اللديّة” و”لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب”. في العملين، هناك اشتباك واضح مع الوطن والتاريخ والذاكرة. هل الشعر بالنسبة لك وسيلة لمواجهة الحرب؟

أسماء: أواجه الحرب بالقصيدة، لا بالبكاء. الشعر عندي ليس مرثية، بل استعادة للقدرة على الحلم، حتى في لحظة الانكسار. أحاول أن أكتب فلسطين كما أشعر بها، لا كما تُروى في النشرات الإخبارية. أكتب عن الإنسان، لا عن الأيقونة.

الصدى: حدّثينا عن مشروع “فناء الشعر”، ما هي فكرته؟ وماذا تحاولين من خلاله؟

أسماء: “فناء الشعر” هو محاولة لخلق فضاء شعري حرّ، يتجاوز التقاليد الرسمية والعروض المؤسساتية. أسسته ليكون مساحة للقاء بين الشعراء والجمهور، خارج قاعات المؤتمرات. في “الفناء”، نحاول أن نعيد للقصيدة صوتها الحيّ، أن نقرأ الشعر كما لو أننا نكتبه لأول مرة.

الصدى: وماذا عن تجربتكِ في فتّوش، كمديرة فنية؟

أسماء: فتّوش كان مشروعًا ثقافيًا جميلًا، يجمع بين الكتب والفن والموسيقى. كنتُ محظوظة بكوني جزءًا منه، وكان لي شرف أن أساهم في برمجة معارض وأمسيات فنية وشعرية فيه. للأسف، توقف المشروع، لكن تأثيره ما زال قائمًا، في الذاكرة الجماعية لمثقفي حيفا.

الصدى: عملكِ الأخير “عام المتاحف الصغيرة” يبدو مختلفًا. هو ليس ديوان شعر، بل سيرة. ما الذي دفعكِ إلى كتابة هذا النوع؟

أسماء: هو محاولة لتوثيق عامٍ شخصي وعام، كان مليئًا بالأسئلة والانقطاعات. “عام المتاحف الصغيرة” ليس سيرة تقليدية، بل أشبه بيوميات في ظلّ هشاشة العالم. كتبتُه لأتذكّر، ولأفهم. أحيانًا لا تكفي القصيدة وحدها.

الصدى: كيف تنظرين إلى الترجمة بوصفها جسرًا شعريًا؟ وقد تُرجمت أعمالكِ إلى العديد من اللغات.

أسماء: الترجمة مسؤولية ثقيلة، لكنها أيضًا نعمة. أن تُقرأ قصائدك بلغة أخرى يعني أنك تعبر حدود اللغة والجغرافيا. لكنني دائمًا أقول: لا شيء يُشبه الأصل. الترجمة مثل الحنين، تحاول أن تُعيد شيئًا مما فُقد، لكنها لا تقدر على كل شيء.

الصدى: أخيرًا، ما الذي لا تزالين تحلمين بكتابته؟

أسماء: كل ما لم يُكتب بعد. الحلم لا يتوقّف، حتى لو تغيّرت الوسائل. ربما أكتب يومًا ما رواية، أو سيرة أخرى، أو مجموعة قصائد بلا نهاية. المهم أن أظل قادرة على السؤال.

الصدى: شكرًا لكِ أسماء على هذا الحوار العميق. ننتظر كل جديدكِ بشغف.

أسماء: وأنا أشكركم على هذا اللقاء المختلف. المجلة، والسؤال الجيد، مساحة لا تقلّ أهمية عن القصيدة نفسها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى