“وصايا الديك” تفتح المهرجان الوطني للمسرح التونسي برؤية ساخرة عن الواقع السياسي والاجتماعي
تابع جمهور الفن الرابع ضمن أولى أيام الدورة الأولى للمهرجان الوطني للمسرح التونسي “مواسم الإبداع” الذي ينظمه المسرح غلوطني بالشراكة مع جمعية عبد الوهاب بن عياد ومؤسسة ميكروكراد من 7 إلى 14 نوفمبر 2024، مسرحية “وصايا الديك” هي عمل مسرحي من إنتاج شركة كلنديستينو للإنتاج المسرحي، عن نص من تأليف الكاتب منير العماري، بينما الدراماتورجيا والإخراج كانا من توقيع المخرج وليد الدغسني. ويؤدى الثنائي أسامة كشكار ومنير العماري الأدوار في هذا العمل الذي يعكس رؤى نقدية ساخرة للمجتمع التونسي.
تبدأ المسرحية في إطار عبثي، حيث تجسد الشخصيتان الرئيسية المعزولتين في مكان غريب، في جزيرة نائية، بعد انقراض البشرية بسبب وباء غامض. داخل هذا الإطار، تتصارع الأفكار وتتصادم في محاكاة ساخرة ومؤلمة لتجربة ما بعد الثورة في تونس، حيث يواجه الشعب تحديات كبيرة في إيجاد حلول حقيقية لمشاكله.
من خلال الإعداد المسرحي، حيث ترسو السفينة التي تحمل عنوان “وصايا الديك” على شاطئ الجزيرة، يتم تقديم بيئة مليئة بالتناقضات الرمزية. هذه الجزيرة تبدو وكأنها جزر من العزلة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها تونس، ويُعتبر ظهور “الكرسي الخشبي” رمزًا للسلطة السياسية الثابتة والمتصلبة التي لا تتزحزح رغم تلاطم الأمواج.
تستعرض المسرحية العلاقة بين السياسي والشعب، حيث يجسد الحاكم حالة الاسترخاء والانعزال عن الواقع، مغرقا في عالم من المغامرات الافتراضية التي لا تأخذ في الحسبان الواقع الأليم. يرمز هذا السياسي إلى أولئك الذين يظنون أن بُعدهم عن القضايا اليومية قادر على حماية سلطتهم، بينما يتناسى أو يتجاهل معاناة المحكومين الذين يكابدون ظروفا قاسية في الواقع.
من جهة أخرى، يبدو الشعب الذي يعاني من متطلبات الحياة اليومية ومن همومه الحياتية في جزيرة ضاقت بها سبل النجاة. هذا الشعب يشبه القوقعة التي تسجل بشكل متواصل صرخات الأمواج، وهي تمثل في ذلك فئة من الناس الذين يسعون بكل ما أوتوا من قوة إلى تغيير وضعهم، لكنهم يفتقدون إلى القيادة الحكيمة التي توجههم نحو الحلول الفعالة.
التلاعب بالرموز: من “الديك” إلى “أوديب”
تتوالى الرموز في المسرحية لتتداخل وتتكامل في بناء معان فلسفية عميقة. من خلال شخصية “الديك”، التي تتأرجح بين الميثولوجيا اليونانية وعلاقة السلطة والهيبة في الثقافة الشعبية، يتم تقديم نقد فكري مزدوج، فبينما يرتبط الديك بالخطيئة في الأساطير اليونانية، تتشكل صورة شخصية السياسي عبر سلطته، إذ يبدو كما لو أنه يحاول أن يبني هيبة مزيفة تنتهي دائما بانهيار العلاقات بينه وبين الشعب.
وفي ذات الوقت، يتم إعادة طرح قصة أوديب، والتي أخبر عنها الحكيم “تيريسياس”، لتظل حاضرة في العمل كرمزية دالة على اختلالات السلطة وتداخل الأدوار بين الحاكم والمحكوم. يتبدل الحاكم والمحكوم أماكنهم، ليجد السياسي نفسه في موقع الشعب في لحظة من الفوضى، بينما يصاب الشعب باليأس في موقع السياسي، متخبطا بين السلطة والخيبة.
ويمكن القول إن مسرحية “وصايا الديك” لا تحاكم شخصيات السياسي والشعب بشكل مباشر، بل تركز على طبيعة العلاقة بينهما من خلال تفاصيل حياتية دقيقة. و يتناول العمل انعدام التوازن في إدارة السلطة في تونس بعد الثورة، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية. كما أن المسرحية تعكس أيضا الأزمة التي يعاني منها الفنان التونسي، الباحث عن الأمان والاعتراف وسط حالة من اللامبالاة السياسية تجاه قضاياه.